الرئيسة/  مقالات وتحليلات

"حرب صليبية" و"معاداة السامية" لإرهاب أوروبا

نشر بتاريخ: 2025-06-04 الساعة: 06:29

 

- موفق مطر


العنصرية، الأصولية المتحجرة، الثبات عند نقطة من الزمن، التعنت والعناد والتزمت، العدائية للحق منطقا كان أو قولا أو فعلا، تفريغ الرؤى الانسانية من مضمونها، وتوصيف الأفكار النبيلة كخطر داهم على الوجود، هكذا هي الجماعات والأحزاب المستخدمة للدين لبلوغ أهدافها، قد يجدد قادتها وأفرادها مظاهرهم، لكنهم مهما حاولوا الاستتار، فإنهم سرعان ما تنكشف عقيدتهم المجدولة بالخوف والمصالح، تسبق ألسنتهم أياديهم بإسقاط ثوب الحداثة المزيف، فيدرك الناس مكرهم، وفساد مقولاتهم وادعاءاتهم وحتى رواياتهم المخترعة! ولا فرق هنا بين من يستخدم نصوص العقائد والشرائع السماوية، وبين من يستخدم النظريات ومصطلحات فلسفية، أو سياسية، أنتجها وحدثها الفكر الانساني، بعد لوي عنق تفسيراتها، وطمس الحق في معانيها.

بيان وزارة الخارجية لدى منظومة الاحتلال والاستيطان الاسرائيلي حول تصريحات رئيس الجمهورية الفرنسية مانويل ماكرون بخصوص البعد الخلاقي للتعامل مع الحق الفلسطيني، الاعتراف بدولة فلسطينية، يجسم بتفاصيل دقيقة، بالغة الوضوح، طبيعة مكونات العقلية الصهيونية الدينية، وسلوكياتها تجاه معارضي سياساتها المدمرة للقيم الانسانية الأخلاقية، وكأن الحديث عن الأخلاق وسياسة الاقرار والاعتراف بالحق التاريخي والطبيعي والسياسي للشعب الفلسطيني في ارض وطنه فلسطين شرارة ستفجر برميل بارود "الصهيونية الدينية التلمودية"، إذ استخدمت الوزارة مصطلحا لم نسمعه إلا من مستخدمي الدين الناطقين بالضاد، ولم نقرأه إلا في أدبياتهم التي تحرف بصيرة الانسان العربي، عن الحقائق والوقائع والأبعاد الحقيقية للأحداث التاريخية والمعاصرة، فقد أوردت في بيانها: "إن ماكرون يقود حملة صليبية ضد الدولة اليهودية ومستمرة"! ردا على الرئيس ماكرون الذي صرح في مؤتمر أثناء زيارته لسنغافورة: "إن الاعتراف بدولة فلسطينية ليس مجرد واجب اخلاقي وحسب، بل سياسي ايضا".

وبهذا المصطلح بات واضحا أن "اسرائيل" لا تقصد شخص الرئيس وفرنسا وحسب، بل معظم الدول الكبرى في اوروبا، التي قد تعترف بدولة فلسطين خلال الفترة القادمة، أما اذا كان المقصود قيادة فرنسا مع المملكة العربية السعودية للمؤتمر الدولي من أجل تنفيذ وتطبيق حل الدولتين، المزمع عقده من 17 الى 20 من هذا الشهر، فإن مصطلح (حرب صليبية) متناقض كليا مع الواقع ذلك أن المملكة العربية السعودية (دولة اسلامية كبرى) وفرنسا تتشاركان رئاسة المؤتمر والجهود لحشد دولي كبير لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحل الدولتين واستقلال دولة فلسطين، على حدود الرابع من حزيران سنة 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وهذا يكشف مدى تخوف وخشية منظومة الاحتلال (اسرائيل) من اعتراف دول كبرى في اوروبا اعضاء في مجلس الأمن الدولي كبريطانيا وفرنسا لينضما الى الصين وروسيا المعترفتين أصلا بدولة فلسطين، ليس هذا وحسب، بل إن المنظومة تعمل على تزوير مواقف الشعوب في الدول الأوروبية المناهضة لسياسة (اسرائيل) القائمة على الاحتلال والاستيطان وحملة الابادة والتجويع والتهجير،  وانتهاكات حكوماتها للقانون الدولي، وضربها القيم الانسانية عرض الحائط، وإرهاب اصحاب الأصوات الحرة والضمائر الحية المناصرة للشعب الفلسطيني بمقولة "معاداة السامية"! الباطلة اصلا!

وما استخدام مصطلح "حملة صليبية" إلا هجوم استباقي يستهدف الوعي الفردي والجمعي لدى شعوب اوروبا، لمنع استقرار وتوازن الرواية الفلسطينية، في حياتهم الثقافية والسياسية، فالمنظومة الصهيونية تسعى لإبقاء رؤية شعوب أوروبا ضمن منظور ادعاءاتها، لذلك استخدمت مصطلح "الحرب الصليبية" بعد نفاد مفعول سلاح "معاداة السامية" الذي لم يعد يرهب الأوروبيين، أما الفتنة الدينية المقصودة، وزلزلة اركان المجتمعات الأوروبية، وإشغالها بصراعات داخلية، ستؤكد خطر الصهيونية الدينية على الاستقرار والأمن والسلام في العالم، وليس في فلسطين والشرق الأوسط وحسب.

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2025